قصائد الإمام علي بن أبي طالب (ع) الجزء الأول
الأولى:
أنَا أَخُـو الْمُصْطَفَى لا شَـكَّ في نَسَـبِي
مَعْـهُ رُبِيتُ وَسِبْطَاهُ هُمَا وَلَـدِي
جَـدِّي وَجَـدُّ رَسُـولِ اللهِ مُتَّحِـدٌ
وَفَاطِـمٌ زَوْجَـتِي لاَ قَوْلَ ذِي فَنَـدِ
صَـدَّقْتُهُ وَجَمِيعُ النَّاسِ فِي ظُلَـمٍ
مِـنَ الضّـَلاَلَةِ وَالإشْـرَاكِ والنَّكَـدِ
الْحَمـْدُ للهِ فَـرْدًا لاَ شَـــــرِيكَ لَـهُ
الـْبَـرُّ بِالْعَــبــْدِ وَالْبَاقِـي بِـلاَ أَمَــدِ
الثانية:
تُؤَمّـِلُ فِي الدُّنْيَا طـَوِيلٌ وَلاَ تَـدْرِي
إذَا جـَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الْفَجــْرِ
فَكَمْ صَحِيحٍ مَاتَ مِـنْ غَيْرِ عـِلَّةٍ
وَكَمْ مِنْ عَلِيلٍ عَاشَ دَهْـرًا إلَى دَهـْرِ
وَكَـمْ مـِنْ فَتًى يُمْسِي وَيُصْبِحُ آمِنًا
وَقـَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهـُوَ لاَ يَـدْرِ
الثالثة:
جَمِيـعُ فَـوَائِدِ الدُّنْيَا غُـــــرُورُ
وَلاَ يَبْقَى لِمَسْــرُورٍ سُــــرُورُ
وَقـَدْ بَنَتِ الْمُلُوكُ بِهَا قُـصُــورًا
فَلَمْ يَبْقَ الْمُلُوكُ وَلاَ الْقُصُورُ
فَقُـلْ لِلشَّامِـتِيــنَ بِـنَا أَفِيقُــــوا
فَإِنَّ نــَوَائِــبَ الدُّنْيَا تَـــدُورُ
الرابعة:
إِصْبِرْ قَلِيلاً فَبَعْدَ الْعُسْرِ تَيْسِيرُ
وَكُـلُّ أَمـْـرٍ لَهُ وَقْـتٌ وَتَدْبـِيرُ
وَلِلْمُهَيْـمِـنِ فِي حَـالاَتـِنَا نَـظَــــرٌ
وَفَـوْقَ تَقْدِيـرِنَا للهِ تَقـْدِيــرُ
الخامسة:
قدِّمْ لِنَفْسِكَ فِي الْحَيَاةِ تَـزَوُّدًا
فَلَقَـدْ تُفَارِقُـهَا وَأَنْتَ مُـــوَدِّعُ
وَاهْتَـمَّ بِالسَّفَرِ الْقَـرِيبِ فَإِنَّهُ
أَنْأَى مِـنَ السَّفَـرِ الْبَعِيـدِ وَأَشْسَعُ
لاَ تُفْشِ سِـرًّا مَا اسْتَطَعْتَ إِلَى امْـرِءٍ
يُفْشِـي إِلَيْكَ سَـرَائـِرًا يُسْتَـوْدَعُ
وَاجْعَلْ تَزَوُّدَكَ الْمَخَافَةَ وَالتُّقَى
وَكَأَنَّ حَتْفَكَ مِنْ مَساَئِكَ أَسْـرَعُ
وَاقْنَعْ بِقُوتِكَ فَالْقَنَاعُ هُوَ الْغِنَى
وَالْفَقـْرُ مَقْـرُونٌ بِمَنْ لاَ يَقْنَعُ
وَاحـْذَرْ مَصَاحَبَةَ اللِّئَامِ فَإِنَّهُمْ
مَنَعُـوكَ صَفــوَ وِدَادِهِمْ وَتَصَنَّعُـوا
فَكَمَا تـَــرَاهُ بِسـِرِّ غَـيْرِكَ صَانِعًا
فَكَذَا بِسِـرِّكَ لاَ مَحَالَةَ يَصْـنَـعُ
لاَ تَبـْدَأَنَّ بِمَنْطـِقٍ فِي مَجْلِــسٍ
قَبْلَ السُّـــؤَالِ فَإِنَّ ذَالِكَ يَشْـنُـعُ
فَالصَّمْتُ يُحْسِــنُ كُلَّ ظَـــنٍّ بِالْفَتَى
وَلَعَلـَّهُ خِــرْقٌ سَفِيـهٌ أَرْقَـــعُ
وَدَعِ الْمِزَاحَ فَرُبَّ لَفْظَةَ مَازِحٍ
جَـلـَبَتْ إِلَيْكَ مُسـَـاوِئًا لاَ تُـدْفَــعُ
وَحِفَاظُ جَارِكَ لاَ تُضِعْـهُ فَإِنَّهُ
لاَ يَبْلُغُ الشَّـرَفَ الْجَسِيـمُ مُضَيِّـعُ
وَإِذَا اسْتَقَالَكَ ذُو الإسَاءَةِ عَـثْــرَةً
فَأَقِلْهُ إِنَّ ثَــوَابَ ذَالِكَ أَوْسَـــعُ
وَإِذَا ائْتُمِنْتَ عَلَى السَّرَائِرِ فَاخْفِهَا
وَاستُــرْ عُـيُـوبَ أَخِيكَ حِينَ تَطَلَّـعُ
لاَ تَجْزَعَـنَّ مِـنَ الْحَـوَادِثَ إِنَّمَا
خَـرِقُ الرِّجَالِ عَلَى الْحَـوَادِثِ يَجْـزَعُ
وَأَطِعْ أَبَاكَ بِكُلِّ مَا أَوْصَى بِـهِ
إِنَّ الْمُطِيـعَ أَبـَاهُ لاَ يَتَضَعْضَعُ
السادسة:
الـناس مـن جهـة الـتـمـثال أكـفــاء
أبـوهـم آدم , والأم حــــــوّاءُ (1)
وإنـما أمـهـات الــنـاس أوعـيــة
مــسـتـودعـات , وللأحـسـاب آبــاءُ
فإن يكـن لـهـم مـن أصلـهــم شــــرف
يـفاخـرون بـه , فــالطـين والماءُ
وإن أتـيـت بـفخــر مـن ذوي نـســـب
فـإن نـســبـتـنـا جـــود وعـلـيـاءُ
ما الـفـضـل إلا لأهـل العـلـم إنـهــم
عـلى الهـدى لـمـن اســتهـدى أدلاءُ (2)
وقـيـمة المـرء ما قـد كـان يـحــســنـه
والجـاهـلون لأهـل الـعـلـم أعـــداءُ
فـقـم بعـلـم , ولا تـطـلـب بـه بـــدلاً
فالناس مـوتى , وأهـل العـلـم أحـياءُ
السابعة:
تغـيـرت الـمــودة والإخــــاء
وقـلّ الـصــدق , وانـقـطـع الـرجـــاءُ
وأســلـمـني الـزمـان إلـى صـــديــق
كـثـير الغــدر , لـيــس له رعــاءُ (3)
ورُبّ أخ وفـيــت لـه بـحـــــق
ولـكــن لا يــدوم لـه وفـــاء
أخــلاء إذا اســتـغـنيـت عــنـهــم
وأعـــداءٌ إذا نـزل الــبـــلاء(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التمثال : أي التشبيه . أكفاء : متساوون.
(2) أدلاء : مرشدون.
(3) رعاء : الإبقاء على أخيك.
(4) أخلاء : مفردها خليل أي صديق.
وقال في النسب:
عـمـرك ما الإنـســـان إلا بـديـنـه
فلا تترك التـقـوى اتكالاً عـلى الـنسبْ
فـقـد رفـع الإســلام ســلمـان فارس
وقـد وضـع الـشـرك الشـريف أبا لـهـــبْ
وقـال في فضل السكوت:
أدّبـت نـفـسـي , فـما وجــدت لـهــا
بغـير تـقــوى الإلـه , مــن أدبِ
فـي كــل حـالاتهـا , وإن قـصُـــــرت
أفضـل مـن صــمـتهـا , عـلى الكــــذبِ
وغـيبــة الـنـاس , إن غــيــبـتهــــم
حــرّمهـا ذو الجـلال , فـي الـكــتـبِ
إن كان مـن فـضـة , كـلامــك يــا
نـفــس فـإن الـســـكـوت , مـن ذهــــبِ
وقال عن الفرج بعد الضيق:
إذا اشــتـمـلـت عـلـى الـيـأس الـقـلـــوب
وضاق لما بـه الــصــدر الـرحــيـبُ
وأوطنت الـمـكـاره واســـتـقــــرت
وأرســـت فـي أمـاكـنهـا الخـطــوبُ (1)
ولـم تـر لانـكـشـاف الـضــر وجـهــاً
ولا أغـنى بـحـيـلـتـه الأريــــبُ(2)
أتاك عـلى قـنــوط مـنـك غـــــوث
يـمـنّ به الـلطــيف الـمـســتـجــيبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخطوب : المصائب.
(2) الضر : الضرر. الأريب : العاقل.